ملف مغاربة الخارج ووجوب المقاربة التشاركية الشمولية.

بقلم : عمر مرابط (أرشيف)

 

بعد نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة ونظرا لمواقفه المتميزة من قضايا الجالية الكبرى تبقى الآمال معقودة على هذا الحزب الذي سيرأس الحكومة المقبلة لتحقيق وعوده الانتخابية ولتطبيق ما جاء في برنامجه الانتخابي والاستجابة للانتظارات الكبرى للمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج.

 

ورغم الأولويات الكبرى للوطن من تعليم وصحة وسكن وعدل ومحاربة للرشوة والفساد  فإنه يتحتم على الحزب احترام التزاماته في هذا المجال، لكن للوصول إلى هذا الهدف لابد من المعرفة الدقيقة والعميقة لكل الحيثيات المتشعبة والمتفرعة لقضايا مغاربة الخارج، فهناك ملفات متعددة، وقضايا عديدة وأولويات مختلفة.

 

وللتذكير فإن عدد المتدخلين الرسميين علاوة على وزارة الخارجية التي كانت ولا زالت صاحبة الملف الأساس عبر القنصليات والمصالح المغربية في الخارج هم الوزارة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، ومجلس الجالية، ومؤسسة الحسن الثاني ووزارة الأوقاف والمجلس العلمي دون الحديث عن المتدخلين بطريقة غير مباشرة، وللدلالة على ما نقول يكمن أن نذكر بأن مجلس الجالية يضم  أعضاء ملاحظين يمثلون إحدى عشر وزارة وسبع مؤسسات أو مجالس مما يعني أن العدد الإجمالي للمتدخلين هو ثمانية عشر هيأة حكومية.

 

العبرة الأولى التي وجب استخلاصها مما ذكر هي استحباب بقاء الوزارة مرتبطة برئيس الحكومة لطبيعة القضايا الأفقية التي تهتم بها مما يتطلب تدخل وتحكيم رئيس الحكومة في الكثير من المجالات.

 

ومن هنا العبرة الثانية، إذ أن التدبير الأنجع لملف مغاربة الخارج يقتضي وضع مقاربة شمولية وتشاركية لبحث القضايا الرئيسية وترتيب الأولويات في تعاون كامل وانسجام مع البرنامج الحكومي دون جذب أو دفع.

 

ذا التعاون أصبح واجبا لإنجاح المهمة فالضحية الأولى للتجاذب والتقاذف بين الوزارات والهيئات هم أبناء المغرب بالخارج، فعوض قضاء عطلهم في الراحة والاستجمام تراهم بين إدارة وأخرى، ووزارة  وأختها، لا يعرفون من يقصدون ولا من يجيب على تساؤلاتهم ولا من يهديهم الطريق، بله قضاء حوائجهم، زد على هذا وسمهم ب”الزماكرية” وكأنهم من جنس آخر أو كأنهم فقدوا مواطنتهم لمجرد إقامتهم بالخارج، فيُتعامَل معهم بشكل غريب وبقول عجيب يجعلهم يحسون بالغربة مرتين  وبالمرارة حسرتين.

 

ومن ثم  لزم البدء عاجلا بوضع حزمة من الإجراءات حيز التنفيذ من قبيل الشباك الوحيد الذي يسمح للمغربي المهاجر أن يخاطب إدارة واحدة تقوم هي بدور الوسيط.

 

من اللازم إذن القيام بوضع مخطط شمولي وتشاركي يسمح للمواطنين المغاربة بالخارج من إبلاغ آرائهم وتصوراتهم، والإنصات لأصواتهم ومطالبهم، ولابد لكل المتدخلين أن ينسوا اختلافاتهم ويضعوا نصب أعينهم مصلحة الوطن قبل مصالحهم للتعاون والتآزر فلا نرى طرفا من الأئمة مرسل من طرف وزارة الأوقاف وآخر من طرف المؤسسة، ولا نرى تنافسا بين مصالح الدولة لتدبير التأطير الديني أو التعليم.

 

إن إشراك الجمعيات المغربية بالخارج عبر التعاقد معها في ملفات تعرف فشلا ذريعا كملف تعليم اللغة العربية على سبيل المثال لا الحصر من شأنه المساهمة في إيجاد الحلول الناجعة والمُجدية، وسيسمح بتخطي العديد من العقبات وتجاوزها.

 

مجمل القول لقد حان الوقت للتآزر والتعاون والتكافل، حان وقت التغيير أيضا بالنسبة لمغاربة الخارج بدءا من تغيير اسم الوزارة من “وزارة مكلفة بالجالية” إلى “وزارة مكلفة بالمواطنين والكفاءات المغربية بالخارج”،  فالصورة النمطية “للعمال المغاربة” لا زالت عالقة بالأذهان ويتعامل على أساسها مع مغاربة الخارج وكأنهم بحاجة إلى أوصياء وأولياء أمر.

 

الحكومة المقبلة مطالبة بعقد مائدة مستديرة تجمع المتدخلين في أمور الجالية وخلق لجنة وزارية مشتركة تنعقد بصفة دورية لحل مشاكل مغاربة الخارج، ولإنجاز الوعود القديمة والحديثة ومنها ما جاء في برامج الأحزاب وفي طليعتها حزب العدالة والتنمية.

 

قبل الختام أقول أن الدستور المغربي كفل حقوقا لابد من تفعيلها والقيام بأجرأتها سريعا لإعادة الثقة بين الحكومة ومغاربة الخارج، والكل يعلم أن المغرب محتاج لأبنائه في الخارج أكثر مما هم محتاجون له،  فقد استطاعوا تعدي العقبات والصعاب وحققوا العجاب، دون أن نُنكر أنهم محتاجون للتأطير للحفاظ على هويتهم الدينية والثقافية والحضارية.

 

ومن ثم فهم في نفس الوقت الذي لا يريدون التمييز الإيجابي لكونهم مهاجرين ويرفضونه، يطالبون بحقوقهم كمواطنين كاملي المواطنة لإدراكهم أن المغرب محتاج لأبنائه الأوفياء في الخارج لا لأموالهم فقط ولكن لأدمغتهم وحرفيتهم وخبرتهم وكفاءاتهم، زد على هذا تشبعهم بثقافة ديمقراطية عريقة عايشوها ومارسوها وتمرنوا عليها مما يشكل إضافة نوعية لا يستهان بها.

 

أخيرا، والمغرب في طريق ترسيخ الديمقراطية ومحاربة الفساد والاستبداد والقيام بتنمية شاملة ونهضة حقيقية، أليس من الطبيعي إدماج بعض كفاءات مغاربة الخارج  وإشراكهم في تدبير الشأن العام كما نص على ذلك الدستور؟ أليس فتح باب الاستثمار لهم بإعطائهم الامتيازات التي تعطى للأجانب من شأنه المساعدة على تحقيق ذاك؟ وهل حري بحكومتنا المقبلة إدراك ما ذكرناه ورجوناه؟

 

نرجو ذلك لئلا يكون لسان حالنا كما يقول المثل -وقد ذكرني به عالم مغربي فاضل مقيم بهولندا- «ليست النائحة كالثكلى” والسلام.

شاهد أيضاً

نسبة 45 في المائة …… قراءات من زوايا مغيبة

 بقلم : وفـــاء قشبال   (أرشيف)      الأحد, 11 كانون1/ديسمبر 2011 00:0 يوم الجمعة 25 …